هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

« الأسس المنطقية للاستقراء »

اذهب الى الأسفل

 « الأسس المنطقية للاستقراء »  Empty « الأسس المنطقية للاستقراء »

مُساهمة من طرف Omar Alsharki الثلاثاء فبراير 28, 2012 3:38 pm


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد



لمحات عن «الأسس المنطقية للاستقراء»


قال الله تعالى في بدايات سورة البقرة ‘’الذين يؤمنون بالغيب’’. وقال أمير المؤمنين ‘’ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وبعده..’’. يمثل كتاب الأسس المنطقية للاستقراء للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (1980) المحاولة الإبداعية للفكر العلمي النابع من مدرسة أهل البيت لمعالجة الثغرة المنطقية المعروفة في الدّليل الاستقرائي. والكتاب ثري في محتواه ثراءُ العقل الذي أبدعه. وسوف أحاول، وبكل تواضع، أن أبيّن لقارئنا العزيز بعض اللّمحات حول هذا السفر القيم:

اللمحة الأولى
يقول السيد الصدر في صفحة 333 من كتابه (الطبعة الرابعة لدار التعارف) ما نصّه ‘’إن المصادرة التي يفترضها الدليل الاستقرائي في مرحلته الثانية لا ترتبط بالواقع الموضوعي، ولا تتحدث عن حقيقة من حقائق العالم الخارجي وإنما ترتبط بالمعرفة البشرية نفسها ويمكن تلخيص المصادرة كما يلي: (...) فكأن المعرفة البشرية مصمّمة بطريقة لا تتيح لها أن تحتفظ بالقيم الاحتمالية الصغيرة جداً (...) وهذا يعني تحوّل القيمة إلى يقين (...) يفرضه التحرك الطبيعي للمعرفة البشرية نتيجة لتراكم القيم الاحتمالية’’. وهذه الإشارة منه تفرض أن هناك تركيبة خاصة للذهن البشري فُطر عليها، يتعامل معها حيال المعطيات الحسية الاستقرائية. وإذاً، فالفطرة الذهنية البشرية لها دور في هذه المرحلة من الدليل الاستقرائي، وهي تمثل الوصلة بين العالم الموضوعي - أو الكتاب التكويني بلغة العرفاء المسلمين - وبين العالم التدويني. وفي هذه الجهة نفسها، يقف غستون باشلار حيث يعتقد أن هناك شيئاً نتعلّمه عن الاستقراء، وهو شيء ليس متعلّماً من التجربة، إنه بالأحرى ذلك الذي من دونه لن نتمكّن حتى من الحديث عن التجربة، إنه تكويني. (‘’صور المعرفة’’، باتريك هيلي، ترجمة نور الدين شيخ عبيد، ص188). إلا أن موقف الصّدر يُسجّل إشارة أخرى تُعطي ثمرةً لعلّها تشير إلى مرتبةٍ أخرى من المعارف للذهن البشري، وهي متضمّنة في قوله ‘’.. التحرّك الطبيعي...’’، وكأن هناك تحرّكاً غير طبيعي للذهن البشري يحصل فيه على المعارف، وهي غير مستمدة من الدليل الاستقرائي. والعلوم الحديثة في مجالات البارانومالوجي والبراسيكولوجي تفتح نافذة لهذه المراتب العلمية في مراحلها الأولى. وإنْ كان هناك منْ قاوم هذا السير والتحرّك الطبيعي الفطري للذهن البشري بزعم الروح العلمية، إلا أن المقاومة هذه كانت تحمل معها بذرة التردّد والتي سوف تتحوّل بعد وقتٍ إلى انقسام حاد بين أكابر علماء الفيزياء الحديثة فيما يخصّ النتائج الفلسفية المترتبة على نظريات الكم والنسبية. ولنستمع إلى الحدس الذي قاد عَلماً من أعلام نظرية الكم الفيزيائية - نيلز بور - للقول في كتابه ‘’النظرية الذرية ووصف الطبيعة’’، صفحة ,23 ما يلي: ‘’وربما يبدو لأول وهلة أن مثل هذا الموقف تجاه الفيزياء يترك مكاناً للتصوف الذي هو ضد روح العلوم الطبيعية. ومع ذلك، فلا يمكننا بعد الآن أن نأمل في التوصّل إلى فهم واضح في الفيزياء من دون أن نواجَه..’’.

اللمحة الثانية
من النقاط الحسّاسة في كتاب ‘’الأسس’’ هي مشكل تمثيل الجزئي المتغيّر والسيلان الظاهري الطبيعي، كقطعة الحديد أو غيرها، وصولاً لما يمكن رصده فقط بالأجهزة الحسّاسة ومما يقع تحت المشاهدة الإنسانية. ومشكلة تمثيلها برمز رياضي أو منطقي، وهي فطرة جامحة في الذهن البشري لإسباغ الثبات حتى على كنه الحركة. فالأول يعاني من التجدّد والسيلان والتحرّك الجوهري والتركيب، بينما الصورة المنطقية له أو الرمزية هي بسيطة وغير مركّبة وثابتة وغير سيالة، وسنعرض لها مفصلاً في اللمحة الرابعة. والحلّ المطروح أن حال الرّمز المنطقي أو الرياضي كحال اللقطة الفوتوغرافية من جهة كونها تمثل لحظة آنية، بينما العالم الظاهري سيّال متحرك في جوهره رغم ما يُبديه من ثبات ظاهري راجع لعملية الاستمداد اللحظي من مفيض الوجود. والعالم دون الذري مثال جيّد على حالة افتقاد الثبات - على أقل تقدير بالنسبة إلى راصد كالإنسان - وإنما هناك استمرارية التحرك، وهناك وجود وانعدام. وهي لا يمكن مقارنتها بمشهد حسّي كبير أو الأجسام الكبيرة أكبر من الذرة على أقل تقدير - لأن الأخير سوف يتمتع بنوع من الثبات الظاهري. (‘’المذهب الذاتي’’، السيد كمال الحيدري، ص 244) مما يمكّن الراصد أو العارف من رؤيته في لحظة لاحقة من دون مشاهدة ورصد السيلان والتغير في جوهره في عالم تستمر عملية الموت والحياة والتحرك من مرتبةٍ إلى أخرى.. عالم تظهر فيه الأشياء فجأة لتختفي مباشرة من الميلاد والتلاشي. (‘’صور المعرفة’’، باتريك هيلي، ترجمة د.نو الدين شيخلي، ص200). والمطالبة بوضع العالم الظاهري في صيغ منطقية ورياضية تقتضي دقة النظر فيما يقوم به الذهن البشري حين رصده ومشاهدته للجزئي الطبيعي السيّال في جوهره، وكيف أن كنه الرّصد والمشاهدة عملية مجرّدة تتم عن طريق الحركة نفسها. فمكمن الصعوبة هو أن نضع كنه السيلان وحقيقة الحركة في صورة رياضية أو منطقية، وليست الصعوبة في فعل ذلك مع لحظة رصد أو صورة لحظية للطبيعي المتحرك في جوهره، وهذا هو أحد وجوه مكامن الضعف في آراء مدرسة الارتياب الكمومية.

اللمحة الثالثة
والسّيد الصّدر قد استبدل الحجر الأساس الذي وضعته المدرسة العقلية لسدّ الثغرة المنطقية للاستقراء وهو قولها إن الاتفاق لا يكون دائمياً أو أكثريّاً، بمعنى أن شيئين ليست بينهما رابطة السببية لا يتكرر اقترانهما في جميع الأحيان، ولا في أكثر الأحيان. استبدل هذا المبدأ - الذي هو نتاج عملية استقرائية - بمصادرة لا تحتاج إلى الاستقراء، وهي المذكورة في أوّل اللمحة الأولى. ورغم أن الصّدر قد أكّد حاجة الدليل الاستقرائي لسدّ الثغرة المنطقية بركيزة ليس في بنيتها الاستقراء، ورغم توفّقه الإبداعي في وضع التصديق الموضوعي المبني على أساس اليقين الموضوعي؛ إلا أن الحجر الأساس لهما معاً هو المبررات الموضوعية، ويجتمع كلا من اليقينين والمبررات الموضوعية من جهة مع المصادرة المذكورة. رغم ذلك، فإن الملاحظ أن المبررات الموضوعية هي معطى حسي، وبالتالي ترجع المسألة إلى الموقف من التحليل المعمّق لهذا الواقع الظاهري. وهو من وجهة نظر فاحصة واقع له أساس مجرد يستمد منه الوجود لحظة بلحظة. وبالتالي، فإن الحجر الأساس للعلمين القياسي والاستقرائي هو عملية المشاهدة للوجود وفهمه، وكون ذلك نوعاً من التماهي بين الرّاصد والمرصود، أو العارف والمعروف.

اللمحة الرابعة
وهي إجابة تساؤل عن ماهية اليقين المنطقي في الدليل الاستقرائي وعلاقته باليقين الموضوعي، وهل هما وجهان لعملة واحدة. العالم الظاهري الطبيعي سيّال في حقيقته ومتحرك في جوهره، والمنطق يستند في قضاياه - المرتبطة بالعالم الظاهري - إلى لقطة لحظية يلتقطها الحسّ البشري ليرسلها إلى الذهن البشري، وبالتالي يسجّل نوعاً من الثبات لذلك الواقع - المركّب والسيّال والمتحرّك في جوهره - وسوف يرمز لها برمز منطقي أو رياضي بسيط. فمادة اليقين المنطقي هي تلك الصورة، وينبني اليقين المنطقي على عنصر اللحظية والبساطة ويُنتج عنصر التناقض المنطقي الذي يخصّ لحظة مباشَرة الرّاصد أو العارف للمرصود أو المعروف فقط، أما اللحظة التي تليها فتحتاج إلى عملية اندكاك حسي ظاهري أخرى بين الراصد والمرصود، وإلا لن يكون هناك تناقض منطقي. والإنسان العادي، وبسبب الألفة أو ضعف آلة الرصد أو بسبب إفاضة الوجود المستمرة آنياً على ما يشهده ويستقريه ويعرفه، يجعل الفيوضات المتتالية للموجود المرصود بحكم الشيء الواحد البسيط الثابت. وبالتالي، فاللحظة السابقة للموجود المرصود لا تناقض اللحظة اللاحقة إلا إذا كان سيلان الموجود الظاهري قد تغيّر وغُيّر من مجرى سيلانه الوجودي، وإلا، ففي حال استمراره في نفس المنحى السابق لعمليات السيلان الوجودي، فسوف ينحصر التناقض في موارد أقل مثل الزمن أو غيره. ولذا كانت إحاطة الراصد بكلّ وجود المرصود ذات دور حاسم في اكتشاف التناقض بين كل حالة للمرصود. وهذا ربما ما يحدث عندما نحاول أن نرصد موجودات لطيفة دون ذرية. وبالتالي، فاليقين المنطقي هو عبارة عن حضور لحظي أو مشاهدة لحظية آنية من قبل العارف، وأما اليقين الموضوعي فهو المشاهدة والرصد السيالين للعارف مع - وبالتزامن - مع معروفٍ ومرصودٍ سيّال على طول خط سيلانه وحركته الجوهرية. والنتيجة التي نصل إليها أن الدليل الاستقرائي لا يعاني من ثغرة منطقية، وهو يشير إلينا بأن نعرف ونتيقّن أن مشاهدة ورصد الوجود الظاهري الحسي السيّال والمتحرك في جوهره مرتبط بجهةٍ تمدّه وتفيض عليه الوجود لحظياً وآنياً، وأنه من التناقض حقا أن لا نؤمن بذلك. وبذلك ينفتح باب إزالة ما يبدو من تناقض بين العلم والإيمان، بل وبين العلم وبعض مباني الإيمان، مثل الإعجاز. وإنها لآية أخرى أن يبدأ القران في أوّل سورة له بالإيمان بالغيب، وأن يرى الإمام علي الله قبل رؤية الأشياء وبعدها وفيها.

- كاتب بحريني


لتحميل الكتاب

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]




نسألكم الدعاء
اللهم صل على محمد وال محمد
Omar Alsharki
Omar Alsharki
نائب المدير العام
نائب المدير العام

الجنس ذكر
السرطان الفأر
عدد المساهمات : 400
نقاط العضو : 697
سمعة العضو : 1
تاريخ الميلاد : 22/06/1996
تاريخ التسجيل : 26/02/2012
العمر : 27
العمل/الترفيه : طالب

https://www.facebook.com/siiiiso

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى